فصل: صلاة الطالب والمطلوب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.صلاة الخوف:

اتفق العلماء على مشروعية صلاة الخوف لقول الله تعالى: {وإذ كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا} قال الإمام أحمد: ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز.
وقال ابن القيم: أصولها ست صفات وأبلغها بعضهم أكثر.
وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها فصارت سبعة عشر.
لكن يمكن أن تتداخل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من اختلاف الرواة.
قال الحافظ: وهذا هو المعتمد.
وإليك بيانها:
1- أن يكون العدو في غير جهة القبلة فيصلي الإمام في الثنائية بطائفة ركعة ثم ينتظر حتى يتموا لانفسهم ركعة ويذهبوا فيقوموا وجاه العدو ثم تأتي الطائفة الاخرى فيصلون معه الركعة الثانية ثم ينتظر حتى يتموا لانفسهم ركعة ويسلم بهم.
فعن صالح بن نحوات عن سهل بن أبي خيثمة أن طائفة صفت مع النبي صلى الله عليه وسلم وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثبت قائما فأتموا لانفسهم ثم انصرفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الاخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا فأتموا لانفسهم ثم سلم بهم رواه جماعة إلا ابن ماجه.
2- أن يكون العدو في غير جهة القبلة فيصلي الإمام بطائفة من الجيش ركعة والطائفة الاخرى تجاه العدو ثم تنصرف الطائفة التي صلت معه الركعة وتقوم تجاه العدو وتأتي الطائفة الاخرى فتصلي معه ركعة ثم تقضي كل طائفة لنفسها ركعة، فعن ابن عمر قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الاخرى مواجهة للعدو ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو وجاء أولئك ثم صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة. رواه أحمد والشيخان.
والظاهر أن الطائفة الثانية تتم بعد سلام الإمام من غير أن تقطع صلاتها بالحراسة فتكون ركعتاها متصلتين وأن الأولى لا تصلي الركعة الثانية إلا بعد أن تنصرف الطائفة الثانية من صلاتها إلى مواجهة العدو، فعن ابن مسعود قال: ثم سلم وقام هؤلاء فصلوا لانفسهم ركعة ثم سلموا.
3- أن يصلي الإمام بكل طائفة ركعتين فتكون الركعتان الأوليان له فرضا والركعتان الاخريان له نفلا.
واقتداء المفترض بالمتنفل جائز، فعن جابر أنه صلى الله عليه وسلم صى بطائفة من أصحابه ركعتين ثم صلى بآخرين ركعتين ثم سلم رواه الشافعي والنسائي.
وفي رواية لأحمد وأبي داود والنسائي قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصلى ببعض أصحابه ركعتين ثم سلم ثم تأخروا وجاء الاخرون فكانوا في مقامهم فصلى بهم ركعتين ثم سلم فصار للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان ركعتان.
وفي رواية أحمد والشيخين عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الاخرى ركعتين فكان النبي صلى الله عليه وسلم أربع وللقوم ركعتان.
4- أن يكون العدو في جهة القبلة فيصلي الإمام بالطائفتين جميعا مع اشتراكهم في الحراسة ومتابعتهم له في جميع أركان الصلاة إلى السجود فنسجد معه طائفة وتنتظر الاخرى حتى تفرغ الطائفة الأولى ثم تسجد، وإذا فرغوا من الركعة الولى تقدمت الطائفة المتأخرة مكان الطائفة المتقدمة وتأخرت المتقدمة.
فعن جبار قال: «شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصفنا صفين خلفه، والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم فكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف الاخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعا ثم رفع رأسه ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا» رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي.
5- أن تدخل الطائفتان مع الإمام في الصلاة جميعا، ثم تقوم إحدى الطائفتين بإزاء العدو وتصلي معه إحدى الطائفتين ركعة ثم يذهبون فيقومون في وجاه العدو، ثم تأتي الطائفة الاخرى فتصلي لنفسها ركعة والإمام قائم ثم يصلي بهم الركعة الثانية، ثم تأتي الطائفة القائمة في وجاه العدو فيصلون لانفسهم ركعة والإمام والطائفة الثانية قاعدون ثم يسلم الإمام ويسلمون جميعا.
فعن أبي هريرة قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف عام غزوة نجد فقام إلى صلاة العصر فقامت معه طائفة، وطائفة أخرى مقابل العدو وظهورهم إلى القبلة، فكبر فكبروا جميعا - الذين معه والذين مقابل العدو - ثم ركع ركعة واحدة وركعت الطائفة التي معه ثم سجد فسجدت الطائفة التي تليه والاخرون قيام مقابل العدو ثم قام وقامت الطائفة التي معه فذهبوا إلى العدو فقابلوهم، وأقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم كما هو، ثم قاموا فركع ركعة أخرى وركعوا معه وسجد وسجدوا معه، ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه ثم كان السلام فسلم وسلموا جميعا، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكل طائفة ركعتان» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
6- أن تقتصر كل طائفة على ركعة مع الإمام فيكون للامام ركعتان ولكل طائفة ركعة: فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد فصف الناس خلفه صفين صفا خلفه وصفا موازي العدو فصلى الذين خلفه ركعة ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء دور أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا ركعة. رواه النسائي وابن حبان وصححه.
وعنه قال: «فرض الله الصلاة على نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
وعن ثعلبة بن زهدم قال: «كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا». رواه أبو داود والنسائي.
صلاة المغرب لا يدخلها قصر ولم يقع في شيء من الأحاديث المروية في صلاة الخوف تعرض لكيفية صلاة المغرب.
ولهذا اختلف العلماء: فعند الحنفية والمالكية يصلي الإمام بالطائفة الأولى ركعتين ويصلي بالطائفة الثانية ركعة: وأجاز الشافعي وأحمد أن يصلي بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين لما روي عن علي كرم الله وجهه أنه فعل ذلك.

.الصلاة أثناء اشتداد الخوف:

إذا اشتد الخوف والتحمت الصفوف، صلى كل واحد حسب استطاعته راجلا أو راكبا مستقبلا القبلة أو غير مستقبلها يومئ بالركوع والسجود كيفما أمكن، ويجعل السجود أخفض من الركوع ويسقط عنه من الاركان ما عجز عنه.
قال ابن عمر: وصف النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف وقال: «فإن كان خوف أشد من ذلك فرجالا وركبانا» وهو في البخاري بلفظ: «فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها» وفي رواية لمسلم أن ابن عمر قال: فإن كان خوف أكثر من ذلك فصل راكبا أو قائما تومئ إيماء.

.صلاة الطالب والمطلوب:

من كان طالبا للعدو وخاف أن يفوته صلى بالايماء ولو ماشيا إلى غير القبلة، والمطلوب مثل الطالب في ذلك ويلحق بهما كل من منعه عدو عن الركوع والسجود أو خاف على نفسه أو أهله أو ماله من عدو أو لص أو حيوان مفترس فإنه يصلي بالايماء إلى أي جهة توجه إليها.
قال العراقي: ويجوز ذلك في كل هرب مباح من سيل أو حريق إذا لم يجد معدلا عنه، وكذا المدين المعسر إذا كان عاجزا عن بينة الاعسار ولو ظفر به المستحق لحبسه ولم يصدقه، وكذا إذا كان عليه قصاص يرجو العفو عنه إذا سكن الغضب بتغيبه.
وعن عبد الله ابن أنيس قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرفات فقال: «اذهب فاقتله» قال: فرأيته وقد حضرت صلاة العصر فقلت: إني لاخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومئ إيماء نحوه فلما دنوت منه قال لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب، بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك في ذلك.
فقال: إني لقي ذلك. فمشيت معه ساعة حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد رواه أحمد وأبو داود، وحسن الحافظ إسناده.

.صلاة السفر:

.1- قصر الصلاة الرباعية:

قال الله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا}.
والتقييد بالخوف غير معمول به.
فعن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب أرأيت إقصار الناس الصلاة وإنما قال عزوجل: {إن خفتم أن يقتنكم الذين كفروا} فقد ذهب ذلك اليوم؟ فقال عمر: عجبت مما عجبت منه فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته». رواه الجماعة.
وأخرج ابن جرير عن أبي منيب الجرشي أنه قيل لابن عمر قول الله تعالى {وإذا ضربتم في الأرض} الآية لا فنحن آمنون لا نخاف فتقصر الصلاة؟ فقال: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.
وعن عائشة قالت: قد فرضت الصلاة ركعتين ركعتين بمكة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة زاد مع كل ركعتين ركعتين إلا في المغرب فإنها وتر النهار، وصلاة الفجر لطول قراءتها، وكان إذا سافر صلى الصلاة الأولى أي التي فرضت بمكة رواه أحمد والبيهقي وابن حبان وابن خزيمة ورجاله ثقات.
قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يقصر الصلاة الرباعية فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافرا إلى أن يرجع إلى المدينة ولم يثبت عنه أنه أتم الصلاة الرباعية ولم يختلف في ذلك أحد من الائمة وإن كانوا قد اختلفوا في حكم القصر فقال بوجوده عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وجابر وهو مذهب الحنفية.
وقالت المالكية القصر سنة مؤكدة آكد من الجماعة فإذا لم يجد المسافر مسافرا يقتدي به صلى مفردا على القصر ويكره اقتداؤه بالمقيم.
وعند الحنابلة أن القصر جائز وهو أفضل من الاتمام، وكذا عند الشافعية إن بلغ مسافة القصر.

.2- مسافة القصر:

المتبادر من الآية أن أي سفر في اللغة طال أم قصر تقصر من أجله الصلاة وتجمع ويباح فيه الفطر، ولم يرد من السنة ما يقيد هذا الاطلاق.
وقد نقل ابن المنذر وغيره في هذه المسألة أكثر من عشرين قولا ونحن نذكر هنا أصح ما ورد في ذلك: روى أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي عن يحيى بن يزيد قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ يصلي ركعتين.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه.
والتردد بين الأميال والفراسخ يدفعه ما ذكره أبو سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخا يقصر الصلاة رواه سعيد بن منصور وذكره الحافظ في التلخيص وأقره بسكوته عنه.
ومن المعروف أن الفرسخ ثلاثة أميال فيكون حديث أبي سعيد رافعا للشك الواقع في حديث أنس ومبينا أن أقل مسافة قصر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة كانت ثلاثة أميال والفرسخ 5541 مترا والميل 1748 مترا.
وأقل ما ورد في مسافة القصر ميل واحد رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر.
وبه أخذ ابن حزم، وقال محتجا على ترك القصر فيما دون الميل: بأنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى البقيع لدفن الموتى وخرج إلى الفضاء لقضاء الحاجة ولم يقصر.
وأما ما ذهب إليه الفقهاء من اشتراط السفر الطويل وأقله مرحلتان عند البعض وثلاث مراحل عند البعض الاخر فقد كفانا مئونة الرد عليهم الإمام أبو القاسم الخرقي قال في المغني: قال المصنف: ولا أرى لما صار إليه الائمة حجة.
لان أقوال الصحابة متعارضة مختلفة ولا حجة فيها مع الاختلاف.
وقد روي عن ابن عمر وابن عباس خلاف ما احتج به أصحابنا، ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله.
وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه لوجهين أحدهما أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي رويناها ولظاهر القرآن لأن ظاهره إباحة القصر لمن ضرب في الأرض لقوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} وقد سقط شرط الخوف بالخبر المذكور عن يعلى بن أمية فبقي ظاهر الآية متناولا كل ضرب في الأرض، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «يمسح المسافر ثلاثة أيام» جاء لبيان مدة المسح فلا يحتج به ههنا، وعلى أنه يمكن قطع المسافة القصيرة في ثلاثة أيام وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم سفرا فقال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم».
والثاني أن التقدير بابه التوقيف فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد سيما وليس له أصل يرد إليه ولا نظير يقاس عليه، والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الاجماع على خلافه.
ويستوي في ذلك السفر في الطائرة أو القاطرة كما يستوي سفر الطاعة وغيره.
ومن كان عمله يقتضي السفر دائما مثل الملاح والمكاري فإنه يرخص له القصر والفطر لأنه مسافر حقيقة.